Samedi 11 juillet 2009
زين النغمة التولالي خواطر في ذكرى رحيله العاشرة خاطرة للعبرة
يعتبر الفنان الأصيل المرحوم الحاج التولالي، قامة إنشادية شامخة في مجال فن الملحون، الذي كرّس له حياته واستطاع أن يحوّل مساره الحافل بالعطاء، إلى مدرسة قائمة الذات، في مجال فننون الملحون بصفة عامة، وفي الجانب الإنشادي بصفة خاصة... وقد تحققت أهداف مدرسته بدليل إنتاج جيل جديد يحمل المشعل ويتمم المسير، فالفنان المتألق سعيد المفتاحي هو النموذج المثالي لتوهج مدرسة الحاج الحسين التولي، كما أعطت هذه المدرسة أكلها بتمكين العنصر النسوي من تأثيت المجال الإنشادي في الملحون، وأذكر هنا الفنانتين المنشدتين ، ماجدة اليحياوي ونعيمة الطاهري....
وإذا كان المنشد هو الوسيط بين الشاعر والمتلقي، فإن دوره ظل هاما، وسببا أساسيا في انتشار الملحون، وإلا ظل في حالة " السرّادة" يأكله النسيان. وليس بالغريب أن نسمع من شيخ وقته " إسماعيل المراكشي" هذا الكلام الجميل والمعبّرْ، ( إيلا كانْ لكلامْ اعسلْ ، فالصّوت شهدة" وهنا يعني بالصوت الإنشاد.. وهذا يتماشى مع مقولة " أن العرب كانت تزن الشعر بالغناء، وأن الغناء ميزان الشعر.." كما تتماشى مع مقولة " أن شيخ السجية تيولد، وشيخ لقريحة تيربي " وهي عن المكانة الرفيعة التي يحتلها المنشد، وأنه في كثير من الأحيان، لولا قوة الإنشاد لضاعت فحوى النص الإبداعي.. وهذا ماراهن عليه الفقيد العزيز المنشد المتالق الحسين التالي ، وذلك بتفانيه المعهود، وتواضعه المتأصل، واستفادته من جميع المحطات التي عايشها بكل جوارحه، حيث ليس من السهل أن يبلغ هذا الشأو وهذه الحظوة من عموم الشعب، ومن خاصة الخاصة ومن بين كل ذلك، وجد محلا متميزا داخل قلوب كل المثقفين والفنانين والمسرحيين...
الحاج الحسين التولالي هو أيضا " حفاظ وخزان " وفنان " رقايقي ونبيه" وكم نحتاج من الوقت والجهد لنجمّع أطراف حياته الفنية وجلساته الوازنة في كتاب بل في كتب، وهذا لن يتحقق إلا بتدخل العديد من المؤسسات التي لها علاقة بالموضوع وزارة الثقافة ، والشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة، دون أن ننتظر شيئا ، من فعاليات المدينة التي أحبها حبا جما مدينة مكناس، حيث لايجتمع أصدقاءنا هنا ك إلا من أجل أن يفترقو مع كامل الأسف والحيرة، فهل لايستحق أن يطلق إسمه على مؤسسة مدرسية، أوشارع – ولو فرعي – والشيء المضحك والمبكي في نفس الآن، هي تلك اللوحة الباهتة بعوامل الطبيعة في مدخل المدينة من جهة حي " تولال" تحمل إسم " ملعب الحسين التولالي، تـُرى عن أي ملعب يتحدثون بمواصفاته البئيسة؟، حيث إهمال واضح قصد تحويله إلى مشروع سكني، وبطبيعة الحال وهذا أكيد سوف لايحمل إسم الحسين التولالي...
على أي ونحن سنستقبل بحزن ذكرى رحيله العاشرة، ننتظر ما ذا يفعلون؟ وكنت أتمنى من خالص قلبي أن يتأسس بمدينة مكناس مهرجانا سنويا لفن الملحون يحمل إسمه وهذا أقل ما يمكن فعله لفائدة رجل وطني في حجم الراحل المنشد الحسين التولالي....
خاطرة للذكرى
تسلـّلت رجليه الصغيرتين ، بين شعاب " دوار الخلط" بضاحية مكناس ، حيث عاش ردحا من طفولته عند أخته الكبيرة.. ولم يدر من أين تنفلت تلك الأصوات الساحرة والممزوجة بحفيف الأغصان، وحركات المواشي، وغناء الفلاحات الرائعات في الحقول، ومن تم حاول هذا الكائن الأمازيغي البهي، أن يصنع أول آلة موسيقية له، بالطريقة البدائية المعروفة... ولعلها بوادر انطلاق ميولات لم يكن يعرف في أي اتجاه ستسير...
وبعدها ،اتسعت عيناه على تلال " تولال " تأثر بأفنان أغصانها، ونسائم أزهارها وبأناسها أهل الطيبة والبساطة.. تولال الخضراء، بداية مسالك مكناسة الزيتونة، منها تسلـّلتْ رجلاه لأول مرة إلى داخل أسوار المدينة العتيقة، بأبراجها وأبوابها وحماماتها وسقاياتها الحاملة للماء " الحلو" والمتسلل من وادي " بوفكران" الذي حمل عنوان أكبر معركة ضد الاستعمار الفرنسي " الـْكيرا انتاع الما لحلو" كما تسمى عند أهل مكناس...
في تولال تمتزج الأهازيج العربية والأمازيغية بأنواعها، تنوع سكاني يعطي مذاقا خاصا. وبين مسالك المدينة القديمة لمكناس، كان يتنزه كعاشق ولهان بين أنغام رائعة وأخرى سجية لفرق عيساوة وحمادشة، وأهل توات، وكلام المجاذيب، وإيقاعات " البوخة" والمنشد المتجول والمتخصص في أشعار سيدي قدور العلمي " حيث يجوب قبة السوق " ذهابا وإيابا، حتى لانقول طولا وعرضا، نظرا لضيق مسالك المكان...هنا أيضا مدفن العديد من الأولياء والشعراء، سيدي عبدالرحمان المجذوب، الهادي بنعيسى، سيدي سعيد، سيدي علي منون، سيدي عبد الله المضيوم، حيث كان في عهده كل أسبوع يقام موسم خاص ، والموسم هو التراث، هو التنويعات اللحنية، هو تعدد وتقاطع الإيقاعات، حيث الأذن تلتقط وتشتغل...وفجأة انطلقت موهبة منشد شاب إسمه الحسين التولالي، كانت بداياته وهذا المجال الأوحد الذي كان يتيح الفرصة ، وأعني به " فضاء الأجواق" التي كانت شمولية، وكانت في العديد منها تضم عناصر يهودية بارعة في " الشعبي والملحون. وكانت أيضا تقدم أشكالا فرجوية ضاحكة، حيث يتحول " العرس" أو المناسبة ، إلى سهرة منوعات قل نظيرها اليوم، كنت في سن السادسة من عمري حين شاهدت الحاج الحسين التولالي في بيتنا في إحدى المناسبات، حيث كان من أصدقاء والدي امحمد بن حميدو الراشق لحلافي رحمه الله، وكانت الفرقة الموسيقية تضم إنسان مُبسطا يرقص بحركات ضاحكة، ويخترع تمثيليات قصيرة، ولم يكن هذا الشخص إلا السي محمد " كرّابي" الذي بات يرقص ويُدخل السعادة على الناس، وفي اليوم الموالي وجدوه ميتا، وعلى وجهه بابتسامة بريئة، وكنت أول مرة أحزن على أحد، لأن أبي كان حزنا،
ووصف لنا حالة صديقه المرحوم الحاج الحسين التولالي... وهو نفس الحزن الذي تملكه وهو يستقبل نبأ وفاة صديقة الحميم، والصديق المشترك لأبي والحاج الحسين التولالي، شاعر الملحون الأنيق والبارع حمودة بن اادريس السوسي صاحب القصيدة الرائعة " صول أحجام" والذي مات غريبا بالديار الإسبانية..
رحم الله الجميع، وعلى الأقل هنيئا لمن رحل وترك للأجيال القادمة أحلى الكلام، وأجمل الأنغام، ورزمونة معارف نافعة.. وتلك سيرة الخالدين، والأعلام الساهرين، وقدوة شبابنا ، ونبراسا لطريقهم الطويل...
عريس الملحونْ
هذا نص زجلي أعجبني، وسينال إعجاب من قرأه، وهو لزجال يبدع النصوص الحداثية، لكنه تأثر بالشيخ المبجل والمنشد الكبير الحاج الحسين التولالي، وقد كتب هذا النص بعد وقاة الراحل، ونشره في ديوانه الزجلي المعنون ب: " مدْهي بسكاتي " ويقول فيه الزجال عزيز محمد بنسعد:
يا عريسْ الملحونْ
يالعزيزْ الغالي
كنت شجرة دالية بين الدّوالي
كونْ الدّمعة تبرّدْ موّالي
نبكي على دوامْ النهارْ
ونزيدْ الليالي..
شوفو فاطمة تبكي وتلالي
شوفوها تقولْ:
الشمعة تكْدي ف: دْخالي
شوفو لغزالْ الطـّامْ تشالي
صول أحجّامْ
وعزي الناسْ في ضـْويم مْشالي
لالي يانجمة
ف سْما عالي لالي
تمايْلي... وتيهي
جْفاني صوتْ كان يحلالي
اسكنْ بجوارْ القلبْ
حتى املكْ خيالي
للــّه يا الشمعة اسألتكْ
تانا ردّي لي سآلي.
ما خفاكْ حال الدّنيا
فاني ومسالي
جاوبي ياسلطانة لغوالي؟
يا بهوت الدّنيا
سيحت الليالي
بلا شيخْ لشياخْ
الحاج الحسين التولالي.
الخميسات في ١٨ فبراير ٢٠٠٩
محمد الراشق
باحث في الأدب الشعبي والتراث
مركز اليونسكو لملتقى الثقافات
منقول من :>>>http://said.elmeftahi.over-blog.fr/